بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ليس... سيرة ذاتية

تاريخ النشر
العــــــــلامــــات

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

  • قال تعالى ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ۝٣٢﴾ [النجم]
  • وقال تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ، وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا ۝٤٩﴾ [النساء]
  • وقال تعالى ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ۝١٨﴾ [المائدة]
  • وقال تعالى ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝١٨٨﴾ [آل عمران]

* * *

  • عن زينبَ بنتَ أبي سلمة قالت: سُمِّيتُ بَرَّةَ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا تُزَكُّوا أنفسَكم ، اللهُ أعلمُ بأهلِ البِرِّ منكم. فقال: ما نُسَمِّيها؟ قال: سَمُّوها زينبَ. [٤٩٥٣ - سنن أبي داود]
  • عن أبي موسى الأشعري قال: سَمِعَ النبيُّ ﷺ رَجُلًا يُثْنِي على رَجُلٍ ويُطْرِيهِ في المِدْحَةِ فَقالَ: أهْلَكْتُمْ، أوْ: قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ [٦٠٦٠ - صحيح البخاري]
  • عن أبو بكرة نفيع بن الحارث قال: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا، عِنْدَ النبيِّ ﷺ، قالَ: فَقالَ: وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِكَ مِرارًا إذا كانَ أَحَدُكُمْ مادِحًا صاحِبَهُ لا مَحالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلانًا، واللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلا أُزَكِّي على اللهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ، إنْ كانَ يَعْلَمُ ذاكَ، كَذا وَكَذا. [٣٠٠٠ - صحيح مسلم]
  • عَن ‌هَمّامِ بْنِ الحارث: أنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمانَ، فَعَمِدَ المِقْدادُ فَجَثا على رُكْبَتَيْهِ، وَكانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَجَعَلَ يَحْثُو في وَجْهِهِ الحَصْباءَ، فَقالَ له عُثْمانُ: ما شَأْنُكَ؟ فَقالَ: إنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ: إذا رَأَيْتُمُ المَدّاحِينَ، فاحْثُوا في وُجُوهِهِمِ التُّرابَ. [٣٠٠٢ - صحيح مسلم]

* * *

  • حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي، عَنْ عُمَرَ قَالَ: «الْمَدْحُ الذَّبْحُ» [٦١٤ - الزهد لأحمد بن حنبل]
  • حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ أَوْ مُدِحَ فَسَمِعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ. [١١٤٢ - الزهد لأحمد بن حنبل]
  • حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، مِنْ أَهْلِ رَأْسِ الْعَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: «لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِدْحَةً لَذَمَمْتُ لَكُمْ نَفْسِي» [١٨١١ - الزهد لأحمد بن حنبل]
  • حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي الْحَسَنُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا ضَمْرَةُ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ كَانَ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ إِذَا مُدِحَ فِي وَجْهِهِ غَضِبَ يَقُولُ مَا عِلْمُكَ مَا يُدْرِيكَ " [٢٣٠٢ - الزهد لأحمد بن حنبل]
  • حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ قَالَا: «كَفَى فِتْنَةً لِلْمَرْءِ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فِي دَينٍ أَوْ دُنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَالتَّقْوَى هَهُنَا يُؤمِئُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» [٢/٤٤٢ - الزهد لهناد بن السري]
  • حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ [النخعي] قَالَ: «كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُظْهِرَ، الرَّجُلُ أَحْسَنَ مَا عِنْدَهُ» [٢/٤٤٥ - الزهد لهناد بن السري]
  • قلت لأبي عبد الله: ما أكثر الداعين لك! فتغرغرت عينه، وقال: «أخاف أن يكون هذا استدراجا»، وقال: «قال محمد بن واسع: لو أن للذنوب ريحا ما جلس إلي منكم أحد» [٥٤٥ - الورع لأحمد بن حنبل]
  • حدثنا أبو عبد الله، قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال حدثنا يونس بن عبيد، قال: دخلنا على محمد ابن واسع نعود فقال: «وما يغنى عني ما يقول الناس إذا أُخِذ بيدي ورجلي فأُلقِيت في النار!» [٥٤٦ - الورع لأحمد بن حنبل]
  • قلت لأبي عبد الله: إن بعض المحدثين قال لي: أبو عبد الله لم يزهد في الدراهم وحدها وقد زهد في الناس! فقال ابو عبد الله: « ومن أنا حتى أزهد في الناس! الناس يريدون يزهدون في». وقال أبو عبد الله: «أسأل الله ان يجعلنا خيراً مما يظنون، ويغفر لنا ما لا يعلمون» [٥٤٧ - الورع لأحمد بن حنبل]

* * *

  • قال صالح بن عبد الله العصيمي إجابة عن سؤال «ما المخرج لما فعله جماعات من كتابة سيرهم الذاتية إما بيدهم وإما املاءً؟» قال: «هؤلاء الذين صنعوا هذا هم على طرائق قِددا. فمنهم من يكتبها بضمير الغائب فلا يذكر لنفسه حظاً ولا مدحاً. ومثل هذا جائز. ومنهم من يطرّزها بمدائح له، تلميحا أو تصريحا فهذا ظاهر القبح في فعله. وإذا أردت أن تطلب الكمال فالكمال هضم النفس والإزراء بها واجتناب هذا ما لم يعمَّر المرء حتى يكون منظورا إليه فينتفع الناس بأخباره. وأما أحاد الخلق فالأولى للإنسان أن يحفظ نفسه. والشوق إلى ذلك والتعلق به من علامات رؤية النفس. ومن مهلكات المرء أن يرى حظاً لنفسه. فإن من عرف الله سبحانه وتعالى وعرف نفسه لم يرى لنفسه على الخلق شيئاً. وهذه مرتبة تحتاج في الوصول إليها إلى مجاهدة عظيمة فإن الحال كما أخبر أبو العباس ابن تيمية في كلام نقله عنه تلميذه أبو عبد الله ابن القيم أن العارف - يعني بالله - لا يطالب ولا يعاتب ولا يغالب. فهو لا يطالب الناس بشيء ولا يعاتب الناس في شيء ولا يغالب الناس على شيء. والتشرف إلى هذه المرتبة يحتاج إلى مجاهدة عظيمة في حطم النفس والإزراء عليها وترك رفعتها وإلا فإذا فتح المرء على نفسه هذا الباب فتح بابا من الشر عظيما، صار الناس يزينونه بحبائل مختلفة، والعاقل من حبس نفسه عن هذه الحبائل وتوقاها حتى يلقى الله سبحانه وتعالى وليس في قلبه رؤية لنفسه. فإن المرء إذا رأى لنفسه شيئا أصابه الكبر. فإذا أصابه الكبر هلك. ومن عجائب الموافقات في حلول العقوبات ما ثبت أن المتكبرين يُجعلون يوم القيامة في صور الذر يطأهم الناس بأقدامهم، فإن الله عز وجل عاقبهم بضد مقاصدهم فإنهم لمّا أرادوا ارتفاعا عاقبهم الله عز وجل بالخفظ حتى صار الناس يطؤونهم بأقدامهم.»

* * *

  • قلت: وما أكثر من ابتُلي في زماننا بكتابة سيرته الذاتية على مواقع التواصل ثم نشرها دون حاجة حقيقية، أو ينشرها لحاجة - كالبحث عن عمل - ثم لا يفكر أن يحذفها لما زالت تلك الحاجة. ومنهم من لا يتورع عن المبالغة في مدح نفسه بل وحتى الكذب أحياناً في سبيل نيل منصب أو سمعة يروج بها لنفسه فيصير من «المؤثرين» في مجال تخصصه. وياليته كان هذا الذي يرمي إليه مستحقاً لكل ذلك، بل هو ليس إلا من فتات الدنيا، يبيع وقته وحريته وسلامة قلبه مقابله، فيصير قنّاً موظفاً في الآلة الرأسمالية، فلا هو مضارب ينال نسبة من الأرباح، ولا هو أجير حر يعمل مقابل عمل محدد، ولا هو عبد تسقط عنه بعض الواجبات وله حقوق على سيده بتزويجه وإطعامه وإسكانه.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ
محمد الجوهري، 1446