بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ليس... موقع ويب 2.0

تاريخ النشر
العــــــــلامــــات

استنادًا إلى العنوان فقط، أستطيع أن أتخيل العديد من الأسئلة التي تتبادر إلى أذهان الأشخاص مثل النوافذ المنبثقة حول ملفات تعريف الارتباط على شاشة هاتفك في عالم ما بعد النظام الأوروبي العام لحماية البيانات:

"أي عام هذا؟ أوائل الألفينات؟"

"لماذا نتحدث عن الويب 2.0 مرة أخرى؟"

"كيف يمكن لموقع ويب تم إنشاؤه حديثاً ألا يكون ويب 2.0؟ أو 3.0؟"

الجواب بسيط جدا.

هذا الموقع ليس مخصصًا لإرسال الإعجابات أو غيرها من ردود الفعل السخيفة، ولم يتم تصميمه لكتابة التعليقات على المنشورات، ولا لمتابعة أناس كُثر من اقتراح الخوارزميات، ولا ليكون بمثابة مستودع لصور رحلاتك السياحية وصور كل شخص تعرفه وصور أي شخص آخر، ولا للتذمر من أشياء تافهة في منشور لا يزيد عن 280 حرفًا أمام جمهور من الأصحاب والزملاء والغرباء، ولا لكي ينشر المراهقون مرئياتهم التي لا تكاد تختلف عن بعضها البعض وهم يرقصون ويلوون وجوههم على نفس المقطع الصوتي لأنه "ميم" أو شيء من هذا القبيل... والقائمة تطول. باختصار، لم يتم إنشاء الموقع بهدف جذب انتباهك لأقصى قدر من الوقت من أجل تحصيل أرباح الإعلانات، أو أي شيء من هذا القبيل. بل تم تصميمه ليكون بمثابة مثال لما كانت عليه مواقع الشابكة قبل سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي، وما يجب أن تعود إليه.
أثناء كتابة هذا المقال، لا يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو جافا سكريبت، وأنوي إبقاءه على هذه الحال: خاليًا من الحشو والتضخم. وقد تستثنى صفحات خاصة ذات حالات استخدام محددة للغاية حيث لا يوجد حل آخر، ولكنني أرجو ألا أضطر إلى ذلك.

الهدف من هذا ليس هو الحديث عن الماضي بالحنين إليه. بل ما أرمي إليه هو المبادرة بالعمل كخطوة أولى لتشجيع الآخرين على السير في هذا الطريق، وإظهار كيف يمكن لأي شخص أن يساهم في تخفيف الآثار المدمرة التي تخلفها الشابكة عبر إنشاء صفحة شخصية بسيطة.

إن السرعة التي تنتقل بها المعلومات في الوقت الحاضر سهلت على عامة الناس تبادل كميات هائلة منها في فترات زمنية قصيرة جدًا، فيصبح بذلك عرض المعلومات ضخمًا، ويظل الطلب عليها صغيرًا، فيصبح الجميع مدلعين بكم هائل من المعلومات، ولن يرغب الناس في التعلم إلا إذا تم تجميع المعلومات في مقاطع توضيحية قصيرة ومتحركة بشكل لطيف مع موسيقى مبهجة في الخلفية حتى لا يتشتت انتباه المشاهد - بسبب شدة قصره - فينتقل إلى مقطع آخر. ولذلك فإن الحل هو أن نبطئ سرعة المعلومات، حتى نتمكن من تقدير قيمتها مرة أخرى. لقد اعتدنا في الماضي على محدودية الوقت وصبيب الشابكة، لدرجة أننا - في الغالب - لم نكن نتحمل إهدارهما على أشياء غير مهمة. كنا إذا جلسنا أمام الحاسوب جلسنا لإنجاز مهمة ما وليس لقتل الوقت - سواء عن عمد أو لا - بتمرير خلاصات وسائل التواصل الإجتماعي طوال اليوم.

لكن من نلوم؟ هل نلوم أنفسنا، أي "المستهلكين"؟ أم نلوم الباحثين والعلماء والمهندسين ورؤسائهم الذين طوروا هذه التكنولوجيا، أي «المحسّنون»؟

يجب علي، بصفتي مهندس برمجيات، أن أجيبك بصدق على هذا السؤال: أخشى أن المحسّنين هم أول الملومين، وذلك لسبب بسيط وهو أن التحسين أصعب بكثير من الاستهلاك. فيجب أن يكون من الأسهل على الباحث أن يتخلى عن كل الجهود التي عليه بذلها لجلب تحسيناته إلى الوجود، لكنه يأبى إلا أن يجهد نفسه، فهو يرى أن الغاية الأسمى لحياته هي "التحسين". كل يوم، يستيقظ ويعلن بفخر: "سوف أحسِّن!" على عكس المستهلكين الذين يفعلون ما يفعله الجميع. وبقدر ما نحاول إلقاء اللوم على المستهلكين، سيكون من النفاق أن نفعل ذلك دون لوم أنفسنا على فعل الشيء نفسه تمامًا، في هذا المجال كما هو الحال في مجالات أخرى، وعدم قدرتنا على فصل أنفسنا عن العادات السيئة التي يرتكبها الجميع من حولنا. فلهذا يجب علينا أن نزيل حالة الضعف والخوار هذه، وأن نعجّل بالخروج من هذا المأزق.

لعلك تتسائل: "طيب، ليه ما تلومش نفسك يا بش مهندس يا ذكي؟!" حسنًا، قال أحدهم ذات مرة: "أكثر أنواع الإدمان ضررًا هي الهيروين، والكربوهيدرات، والراتب الشهري". على الرغم من أنني بدأت للتو لأنني تخرجت قبل بضع سنوات فقط، إلا أنني أعمل في وضع لا يوجد فيه سوى القليل من "التحسين" من النوع الذي نناقشه هنا وهو التحسين على نطاق واسع، بل جله على نطاق ضيق، وهذا يطمئنني نسبياً، لأن الأشياء الصغيرة جميلة، ولكنها أيضًا أقل هشاشة. أما بالنسبة للإدمان، فلا أرى حلاً سوى الإقلاع الفوري عنه.

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ
محمد الجوهري، 1446